فصل: تفسير الآية رقم (4)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التحرير والتنوير المسمى بـ «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»***


تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ‏(‏4‏)‏‏}‏

التفات من ذكر القصتين إلى موعظة من تعلقت بهما فهو استئناف خطاب وجهه الله إلى حفصة وعائشة لأن إنباء النبي صلى الله عليه وسلم بعلمه بما أفشته القصد منه الموعظة والتحذير والإِرشاد إلى رأْب ما انثلم من واجبها نحو زوجها‏.‏ وإذ قد كان ذلك إثماً لأنه إضاعة لحقوق الزوج وخاصة بإفشاء سرّه ذكَّرها بواجب التوبة منه‏.‏

وخطاب التّثنية عائدة إلى المنبئة والمنأبة فأمّا المنبئة فمعادها مذكور في الكلام بقوله‏:‏ ‏{‏إلى بعض أزواجه‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 3‏]‏‏.‏

وأما المنبَّأة فمعادها ضمنيّ لأن فعل ‏{‏نبأت‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 3‏]‏ يقتضيه فأما المنبَّئة فأمرها بالتوبة ظاهر‏.‏ وأما المُذاع إليها فلأنها شريكة لها في تلقي الخبر السر ولأن المذيعة ما أذاعت به إليها إلا لعلمها بأنها ترغب في تطلع مثل ذلك فهاتان موعظتان لمذيع السرّ ومشاركة المذاع إليه في ذلك وكان عليها أن تنهاها عن ذلك أو أن تخبر زوجها بما أذاعته عنه ضرتها‏.‏

و ‏{‏صَغت‏}‏‏:‏ مالت، أي مالت إلى الخير وحق المعاشرة مع الزوج، ومنه سمي سماع الكلام إصغاء لأن المستمع يُميل سمعه إلى من يكلمه، وتقدم عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة‏}‏ في سورة ‏[‏الأنعام‏:‏ 113‏]‏‏.‏ وفيه إيماء إلى أن فيما فعَلَتَاه انحرافاً عن أدب المعاشرة الذي أمر الله به وأن عليهما أن تتوبا مما صنعتاه ليقع بذلك صلاح ما فسد من قلوبهما‏.‏

وهذان الأدَبَان الثامن والتاسع من الآداب التي اشتملت عليها هذه الآيات‏.‏

والتوبة‏:‏ الندم على الذنب، والعزم على عدم العودة إليه وسيأتي الكلام عليها في هذه السورة‏.‏

وإذْ كان المخاطب مثنَّى كانت صيغة الجمع في ‏(‏قلوب‏)‏ مستعملة في الاثنين طلباً لخفة اللفظ عند إضافته إلى ضمير المثنى كراهية اجتماع مثنيين فإن صيغة التثنية ثقيلة لقلة دورانها في الكلام‏.‏ فلما أُمن اللبس ساغ التعبير بصيغة الجمع عن التثنية‏.‏

وهذا استعمال للعرب غير جار على القياس‏.‏ وذلك في كل اسم مثنى أضيف إلى اسم مثنى فإن المضاف يصير جمعاً كما في هذه الآية وقول خطام المجُاشعي‏:‏

ومَهمهين قَذَفين مَرْتَيْنْ *** ظهراهما مثلُ ظُهور التُرسين

وأكثر استعمال العرب وأفصحه في ذلك أن يعبروا بلفظ الجمع مضافاً إلى اسم المثنى لأن صيغة الجمع قد تطلق على الاثنين في الكلام فهما يتعاوران‏.‏ ويقلّ أن يؤتى بلفظ المفرد مضافاً إلى الاسم المثنى‏.‏ وقال ابن عصفور‏:‏ هو مقصور على السماع‏.‏

وذكر له أبو حيّان شاهداً قول الشاعر‏:‏

حمامةَ بطننِ الواديين ترنّمي *** سقاك من الغُرّ الغوادي مطيرها

وفي التسهيل‏}‏‏:‏ ترجيح التعبير عن المثنى المضاففِ إلى مثنى باسممٍ مفرد، على التعبير عنه بلفظ المثنى‏.‏ وقال أبو حيّان في «البحر المحيط»‏:‏ إن ابن مالك غلط في ذلك‏.‏ قلت‏:‏ وزعم الجاحظ في كتاب «البيان والتبيين»، أن قول القائل‏:‏ اشترِ رأسَ كبشين يريد رأسَيْ كبشين خطأ‏.‏

قال‏:‏ لأن ذلك لا يكون اه‏.‏ وذلك يؤيد قول ابن عصفور بأن التعبير عن المضاففِ المثنى بلفظ الإِفراد مقصور على السماع، أي فلا يصار إليه‏.‏ وقيّد الزمخشري في «المفصل» هذا التعبير بقيد أن لا يكون اللفظان متصلين‏.‏ فقال‏:‏ «ويُجعل الاثنان على لفظ جمع إذا كانا متصلين كقوله‏:‏ ‏{‏فقد صغت قلوبكما‏}‏ ولم يقولوا في المنفصلين‏:‏ أفراسهما ولا غلمانهما‏.‏ وقد جاء وضَعا رحالهما»‏.‏ فخالف إطلاق ابن مالك في «التسهيل» وطريقة صاحب «المفصل» أظهر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تظّاهرا عليه‏}‏ هو ضد ‏{‏إن تتوبا‏}‏ أي وإن تصرّا على العود إلى تألبكما عليه فإن الله مولاه الخ‏.‏

والمظاهرة‏:‏ التعاون، يقال‏:‏ ظاهره، أي أيده وأعانه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولم يظاهروا عليكم أحداً‏}‏ في سورة ‏[‏براءة‏:‏ 4‏]‏‏.‏ ولعلّ أفعال المظاهر ووصف ظهير كلها مشتقة من الاسم الجامد، وهو الظَّهر لأن المعين والمؤيد كأنه يشد ظَهر من يعينه ولذلك لم يسمع لهذه الأفعال الفرعية والأوصاف المتفرعة عنها فعل مجرد‏.‏ وقريب من هذا فعل عَضَد لأنهم قالوا‏:‏ شَد عضده‏.‏

وأصل تظّاهرا‏}‏ تتظاهرا فقلبت التاء ظاء لقرب مخرجيها وأدغمت في ظاء الكلمة وهي قراءة الجمهور‏.‏ وقرأه عاصم وحمزة والكسائي ‏{‏تَظَاهرا‏}‏ بتخفيف الظاء على حذف إحدى التاءين للتخفيف‏.‏

‏{‏وصالحُ‏}‏ مفرد أريد به معنى الفريق الصالح أو الجنس الصالح من المؤمنين كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمنهم مهتد‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 26‏]‏‏.‏ والمراد ب ‏{‏صالح المؤمنين‏}‏ المؤمنون الخالصون من النفاق والتردد‏.‏

وجملة ‏{‏فإن الله هو مولاه‏}‏ قائمة من مقام جواب الشرط معنى لأنها تفيد معنى يتولّى جزاءكما على المظاهرة عليه، لأن الله مولاه‏.‏ وفي هذا الحذف مجال تذهب فيه نفس السامع كل مذهب من التهويل‏.‏

وضمير الفصل في قوله‏:‏ ‏{‏هو مولاه‏}‏ يفيد القصر على تقدير حصول الشرط، أي إن تظاهرتما متناصرتين عليه فإن الله هو ناصره لا أنتما، أي وبطل نصركما الذي هو واجبكما إذْ أخللتما به على هذا التقدير‏.‏ وفي هذا تعريف بأن الله ناصر رسولَه صلى الله عليه وسلم لئلا يقع أحد من بعد في محاولة التقصير من نصره‏.‏

فهذا المعنى العاشر من معاني الموعظة والتأديب التي في هذه الآيات‏.‏

وعطفُ ‏{‏وجبريل وصالح المؤمنين‏}‏ في هذا المعنى تنويه بشأن رسول الوحي من الملائكة وشأن المؤمنين الصالحين‏.‏ وفيه تعريض بأنهما تكونان ‏(‏على تقدير حصول هذا الشرط‏)‏ من غير الصالحين‏.‏

وهذان التنويهان هما المعنيان الحادي عشر والثاني عشر من المعاني التي سبقت إشارتي إليها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏والملائكة بعد ذلك ظهير‏}‏ عطف جملةٍ على التي قبلها، والمقصود منه تعظيم هذا النصر بوفرة الناصرين تنويهاً بمحبة أهل السماء للنبيء صلى الله عليه وسلم وحسننِ ذكره بينهم فإن ذلك مما يزيد نصر الله إياه شأناً‏.‏

وفي الحديث «إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إني قد أحببت فلاناً فأحِبَّه فيحبُّه جبريل ثم ينادي جبريلُ في أهل السماء إن الله قد أحب فلاناً فأحِبُّوه فيحبُّه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض»‏.‏

فالمراد بأهل الأرض فيه المؤمنون الصالحون منهم لأن الذي يحبه الله يحبّه لصلاحه والصالح لا يحبّه أهل الفساد والضلال‏.‏ فهذه الآية تفسيرها ذلك الحديث‏.‏

وهذا المعنى الثالث عشر من معاني التعليم التي حوتها الآيات‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏بعد ذلك‏}‏ اسم الإِشارة فيه للمذكور، أي بعد نصر الله وجبريل وصالح المؤمنين‏.‏

وكلمة ‏{‏بعد‏}‏ هنا بمعنى ‏(‏مع‏)‏ فالبَعدية هنا بَعدية في الذّكر كقوله‏:‏ ‏{‏عتل بعد ذلك زنيم‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وفائدة ذكر الملائكة بعد ذكر تأييد الله وجبريل وصالح والمؤمنين أن المذكورين قبلهم ظاهره آثار تأييدهم بوحي الله للنبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل ونصره إياه بواسطة المؤمنين فنبه الله المرأتين على تأييد آخر غيرِ ظاهرة آثاره وهو تأييد الملائكة بالنصر في يوم بدر وغير النصر من الاستغفار في السماوات، فلا يتوهم أحد أن هذا يقتضي تفضيل نصرة الملائكة على نصرة جبريل بَلْه نصرة الله تعالى‏.‏

و ‏{‏ظهير‏}‏ وصف بمعنى المظاهر، أي المؤيد وهو مشتقّ من الظهر، فهو فعيل بمعنى مفاعل مثل حكيم بمعنى محكم كما تقدم آنفاً في قوله‏:‏ ‏{‏وإن تظاهرا عليه‏}‏، وفعيل الذي ليس بمعنى مفعول أصله أن يطابق موصوفه في الإِيراد وغيره فإن كان هنا خبراً عن الملائكة كما هو الظاهر كان إفراده على تأويل جمع الملائكة بمعنى الفَوج المظاهر أو هو من إجراء فعيل الذي بمعنى فاعل مجرى فعيل بمعنى مفعول‏.‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن رحمة الله قريب من المحسنين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 56‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وكان الكافر على ربه ظهيراً‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 55‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وحسن أولئك رفيقاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 69‏]‏، وإن كان خبراً عن جبريل كان ‏{‏صالح المؤمنين والملائكة‏}‏ عطفاً على جبريل وكان قولُه ‏{‏بعد ذلك‏}‏ حالاً من الملائكة‏.‏

وفي الجمع بين ‏{‏أظهره الله عليه‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 3‏]‏ وبين ‏{‏وإن تظاهرا عليه‏}‏ وبين ‏{‏ظهير‏}‏ تجنيسات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ‏(‏5‏)‏‏}‏

ليس هذا مما يتعلق بالشرط في قوله‏:‏ ‏{‏وإن تظاهرا عليه‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 4‏]‏ بل هو كلام مستأنف عدل به إلى تذكير جميع أزواجه بالحذر من أن يضيق صدره عن تحمل أمثال هذا الصنيع فيفارقهن لتقلع المتلبسة وتحذر غيرها من مثل فعلها‏.‏

فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً عقبت بها جملة ‏{‏إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 4‏]‏ التي أفادت التحذير من عقاب في الآخرة إن لم تتوبا مما جرى منهما في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاد هذا الإِيماء إلى التحذير من عقوبة دنيوية لهن يأمر الله فيها نبيئه صلى الله عليه وسلم وهي عقوبة الطلاق عليه ما يحصل من المؤاخذة في الآخرة إن لم تتوبا، ولذلك فصلت عن التي قبلها لاختلاف الغرضين‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏عسى ربه إن طلقكن‏}‏ إيجاز بحذف ما يترتب عليه إبدالهن من تقدير إن فارقكن‏.‏ فالتقدير‏:‏ عسى أن يطلقكن هو ‏(‏وإنما يطلق بإذن ربه‏)‏ أن يُبدله ربُّه بأزواج خيرٍ منكن‏.‏

وفي هذا ما يشير إلى المعْنى الرابع عشر والخامس عشر من معاني الموعظة والإِرشاد التي ذكرناها آنفاً‏.‏

و ‏{‏عسى‏}‏ هنا مستعملة في التحقيق وإيثارها هنا لأن هذا التبديل مجرد فرض وليس بالواقع لأنهن لا يظن بهن عدم الارعواء عما حذرن منه، وفي قوله‏:‏ ‏{‏خيراً منكن‏}‏ تذكير لهن بأنهن ما اكتسبن التفضيل على النساء إلا من فضل زوجهن عند الله وإجراء الأوصاف المفصلة بعد الوصف المجمل وهو ‏{‏خيراً منكن‏}‏ للتنبيه على أن أصول التفضيل موجودة فيهن فيكمل اللاء يتزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم فضل على بقية النساء بأنهن صرن أزواجاً للنبيء صلى الله عليه وسلم

وهذه الآية إلى قوله‏:‏ ‏{‏خيراً منكن‏}‏ نزلت موافِقة لقول عمر لابنته حفصة رضي الله عنهما مثل هذا اللفظ وهذا من القرآن الذي نزل وفاقاً لقول عمر أو رأيه تنويهاً بفضله‏.‏ وقد وردت في حديث في «الصحيحين» واللفظ للبخاري «عن عمر قال‏:‏ وافقت ربي في ثلاث‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت ‏{‏واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 125‏]‏، وقلت‏:‏ «يدخلُ عليك البرّ والفاجر فلو أمرت أمهاتتِ المؤمنين بالحجاب» فأنزل الله آية الحجاب‏.‏ وبلغنِي معاتبة النبي بعضَ نسائه فدخلت عليهن فقلت‏:‏ إن انتهيتن أو ليبدلَنَّ الله رسولَه خيراً منكن فأنزل الله ‏{‏عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات‏}‏ الآية‏.‏

وهي موعظة بأن يأذن الله له بطلاقهن وأنه تصير له أزواجٌ خيرٌ منهن‏.‏

وهذا إشارة إلى المعنى السادس عشر من مواعظ هذه الآي‏.‏‏.‏

وقرأ الجمهور ‏{‏أن يبدّله‏}‏ بتشديد الدال مضارع بدّل‏.‏ وقرأه يعقوب بتخفيف مضارع أبدل‏.‏

والمسلمات‏:‏ المتصفات بالإِسلام‏.‏ والمؤمنات‏:‏ المصدّقات في نفوسهن‏.‏

والقانتات‏:‏ القائمات بالطاعة أحسن قيام‏.‏ وتقدم القنوت في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقوموا لله قانتين‏}‏ في سورة ‏[‏البقرة‏:‏ 238‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ومن يقنت منكن لله ورسوله‏}‏ في سورة ‏[‏الأحزاب‏:‏ 31‏]‏‏.‏

وفي هذا الوصف إشعار بأنهن مطيعات لله ورسوله ففيه تعريض لما وقع من تقصير إحداهن في ذلك فعاتبها الله وأيقظها للتوبة‏.‏

والتائبات‏:‏ المقلعات عن الذنب إذا وقعن فيه‏.‏ وفيه تعريض بإعادة التحريض على التوبة من ذنبهما التي أُمرتا بها بقوله‏:‏ ‏{‏إن تتوبا إلى الله‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 4‏]‏‏.‏

والعابدات‏:‏ المقبلات على عبادة الله وهذه الصفات تفيد الإِشارة إلى فضل هذه التقوى وهو المعنى السابع عشر من معاني العبرة في هذه الآيات‏.‏

والسائحات‏:‏ المهاجرات وإنما ذكر هذا الوصف لتنبيههن على أنهنّ إن كنّ يمتُنّ بالهجرة فإن المهاجرات غيرَهن كثير، والمهاجرات أفضل من غيرهن، وهذه الصفة تشير إلى المعنى الثامن عشر من معاني الاعتبار في هذه الآي‏.‏

وهذه الصفات انتصبت على أنها نعوت ل ‏{‏أزواجاً‏}‏، ولم يعطف بعضُها على بعض الواو، لأجل التنصيص على ثبوت جميع تلك الصفات لكل واحدة منهن ولو عطفت بالواو لاحتمل أن تكون الواو للتقسيم، أي تقسيم الأزواج إلى من يثبت لهن بعض تلك الصفات دون بعض، ألا ترى أنه لما أريدت إفادة ثبوت إحدى صفتين دون أخرى من النعتين الواقعين بعد ذلك كيف عطف بالواو قولُه‏:‏ ‏{‏وأبكاراً‏}‏ لأن الثّيبات لا يوصفن بأبكار‏.‏ والأبكار لا يوصفن بالثيّبات‏.‏ قُلت وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مسلمات‏}‏، إلى قوله‏:‏ ‏{‏سائحات‏}‏ مُحسن الكلام المتزن إذْ يَلتئم من ذلك بيت من بحر الرمل التام‏:‏

فاعلتن فاعلتن فاعلتن *** فاعلاتن فاعلاتن فاعلتن

ووجه هذا التفصيل في الزوجات المقدرات لأن كلتا الصفتين محاسنها عند الرجال؛ فالثيب أرعى لواجبات الزوج وأميل مع أهوائه وأقوم على بيته وأحسن لِعاباً وأبهى زينة وأحلى غنجاً‏.‏

والبكر أشد حياء وأكثر غرارة ودلاً وفي ذلك مجلبة للنفس، والبكر لا تعرف رجلاً قبل زوجها ففي نفوس الرجال خلق من التنافس في المرأة التي لم يسبق إليها غيرهم‏.‏

فما اعتزت واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمزية إلا وقد أنبأها الله بأن سيبدله خيراً منها في تلك المزية أيضاً‏.‏

وهذا هو المعنى التاسع عشر من معاني الموعظة والتأديب في هذه الآيات‏.‏

وتقديم وصف ‏{‏ثيبات‏}‏ لأن أكثر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لمّا تزوجهن كن ثيبات‏.‏ ولعله إشارة إلى أن الملام الأشد موجه إلى حفصة قبل عائشة وكانت حفصة ممن تزوجهن ثيبات وعائشة هي التي تزوجها بكراً‏.‏ وهذا التعريض أسلوب من أساليب التأديب كما قيل‏:‏ «الحر تكفيه الإِشارة»‏.‏

وهذا هو المعنى العشرون من مغزى آداب هذه الآيات‏.‏

ومن غرائب المسائل الأدبية المتعلقة بهذه الآية أن الواو في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثيبات وأبكاراً‏}‏ زَعمها ابنُ خَالويه واواً لها استعمال خاص ولقبها بواو الثمانية ‏(‏بفتح المثلثة وتخفيف التحتية بعد النون‏)‏ وتبعهُ جماعة ذكروا منهم الحريري والثعلبي النيسابوري المفسر والقاضي الفاضل‏.‏

أنهم استخرجوا من القرآن أن ما فيه معنى عدد ثمانية تدخل عليه واو ويظهر من الأمثلة التي مثلوا بها أنهم يعتبرون ما دل على أمر معدود بعدد كما فيه سواء كان وصفاً مشتقاً من عدد ثمانية أو كان ذاتاً ثامنة أو كان يشتمل على ثمانية سواء كان ذلك مفرداً أو كان جملة‏.‏ فقد مثلوا بقوله تعالى في سورة ‏[‏براءة‏:‏ 112‏]‏‏:‏ ‏{‏التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر‏}‏ قالوا لم يعطف الصفات المسرودة بالواو إلا عند البلوغ إلى الصفة الثامنة وهي الناهون عن المنكر‏}‏‏.‏ وجعلوا من هذا القبيل آية سورة التحريم إذ لم يعطف من الصفات المبدوءة بقوله‏:‏ ‏{‏مسلمات‏}‏ إلا الثامنة وهي ‏{‏وأبكاراً‏}‏ ومثلوا لما وصف فيه بوصف ثامن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم‏}‏ في سورة ‏[‏الكهف‏:‏ 22‏]‏‏.‏ فلم يعطف رابعهم‏}‏ ولا ‏{‏سادسهم‏}‏ وعطفت الجملة التي وقع فيها وصف الثامن بواو عطف الجمل‏.‏ ومثلوا لما فيه كلمة ثمانية بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً‏}‏ في سورة ‏[‏الحاقة‏:‏ 7‏]‏‏.‏ ومثلوا لما يشتمل على ثمانية أسماء بقوله تعالى في سورة ‏[‏الزمر‏:‏ 73‏]‏‏:‏ ‏{‏وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها قالوا جاءت جملة وفتحت‏}‏ هذه بالواو ولم تجئ أختها المذكورة قبلها وهي ‏{‏وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 71‏]‏‏.‏ لأن أبواب الجنة ثمانية‏.‏

وترددت كلماتهم في أن هذه الواو من صنف الواو العاطفة يمتاز عن الصنف الآخر يلزم ذكره إذا كان في المعطوف معنى الثامن أو من صنف الواو الزائدة‏.‏

وذكر الدمَاميني في الحواشي‏}‏ الهندية على «المغني» أنه رأى في «تفسير العماد الكندي» قاضي الإِسكندرية ‏(‏المتوفى في نحو عشرين وسبعمائة‏)‏ نسبة القول بإثبات واو الثمانية إلى عبد الله الكفيف المالقي النحوي الغرناطي من علماء غرناطة في مدة الأمير ابن حَبوس ‏(‏بموحدة بعد الحاء المهملة‏)‏ هو باديس بن حبوس صاحب غرناطة سنة 420‏.‏

وذكر السهيلي في «الروض الأنف» عند الكلام على نزول سورة الكهف أنه أفرد الكلام على الواو التي يسميها بعض الناس واو الثمانية باباً طويلاً ولم يبد رأيه في إثباتها ولم أقف على الموضع الذي أفرد فيه الكلام عليها‏.‏ ويظهر أنه غير موافق على إثبات هذا الاستعمال لها‏.‏ ومن عجيب الصدف ما اتفق في هذه الآيات الأربع من مثير شبهة للذين أثبتوا هذا المعنى في معاني الواو‏.‏ ومن غريب الفطنة تنبه الذي أنبأ بهذا‏.‏

وذكر ابن المنير في «الانتصاف» أن شيخه ابن الحاجب ذكر له أن القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب كان يعتقد أن الواو في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأبكاراً‏}‏ هي الواو التي سماها بعض ضعفة النحاة واو الثمانية‏.‏

وكان الفاضلُ يتبجح باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة إلى أن ذكره يوماً بحضيرة أبي الجود النحوي المقري، فبين لهم أنه واهم في عدها من ذلك القبيل وأحال البيان على المعنى الذي ذكره الزمخشري في دعاء اللزوم إلى الإِتيان بالواو هنا لامتناع اجتماع هذين الصنفين في موصوف واحد‏.‏ فأنصفه الفاضل وقال‏:‏ أرشدتنا يا أبا الجود‏.‏

قلت‏:‏ وأرى أن القاضي الفاضل تعجل التسليم لأبي الجُود إذ كان له أن يقول‏:‏ إنا لم نلتزم أن يكون المعدود الثامن مستقلاً أو قسيماً لغيره وإنما تتبعنا ما فيه إشعار بعدد ثمانية‏.‏

ونقل الطيبي والقزويني في «حاشيتي الكشاف» أنه روى عن صاحب «الكشاف» أنه قال‏:‏ الواو تدخل في الثامن كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وثامنهم كلبهم‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 22‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وفتحت أبوابها‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 73‏]‏ ويسمونه واو الثمانية وهي كذلك، وليس بشيء‏.‏ قال الراوي عنه وقد قال لنا عند قراءة هذا الموضع‏:‏ أنسيتم واو الثمانية عند جوابي هذا ‏(‏أي يلومهم على إهمالهم ذلك المعنى في تلك الآية‏)‏ أي هو جواب حسن وذلك خطأ محض لا يجوز أن يؤخذ به اه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا يخالف صريح كلامه في «الكشاف» فلعل الراوي لم يحسن تحرير مراد صاحب «الكشاف»، أو لعل صاحب «الكشاف» لم ير منافاة بين لزوم ذكر الواوين اقتضاء المقام ذكرها بأن المعطوف بها ثامن في الذكر فإن النكت لا تتزاحم فتأمل بتدقيق‏.‏

وتقدم الكلام على واو الثمانية عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏التائبون العابدون‏}‏ الآية في سورة ‏[‏براءة‏:‏ 112‏]‏‏.‏ وعند قوله‏:‏ ‏{‏ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم‏}‏ في سورة ‏[‏الكهف‏:‏ 22‏]‏، وتقدمت في سورة الزمر وفي سورة الحاقة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

كانت موعظة نساء النبي صلى الله عليه وسلم مناسبة لتنبيه المؤمنين لعدم الغفلة عن موعظة أنفسهم وموعظة أهليهم وأن لا يصدّهم استبقاء الودّ بينهم عن إسداء النصح لهم وإن كان في ذلك بعض الأذى‏.‏

وهذا نداء ثان موجه إلى المؤمنين بعد استيفاء المقصود من النداء الأول نداءِ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 1‏]‏‏.‏

وجه الخطاب إلى المؤمنين ليأتنسوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أهليهم‏.‏

وعبر عن الموعظة والتحذير بالوقاية من النار على سبيل المجاز لأن الموعظة سبب في تجنب ما يفضي إلى عذاب النار أو على سبيل الاستعارة بتشبيه الموعظة بالوقاية من النار على وجه المبالغة في الموعظة‏.‏

وتنكير «نار» للتعظيم وأجرى عليها وصف بجملة ‏{‏وقودها الناس والحجارة‏}‏ زيادة في التحذير لئلا يكونوا من وقود النار‏.‏ وتذكيراً بحال المشركين الذي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم‏}‏ في سورة ‏[‏الأنبياء‏:‏ 98‏]‏‏.‏ وتفظيعاً للنار إذ يكون الحجر عِوضاً لها عن الحَطب‏.‏

ووصفت النار بهذه الجملة لأن مضمون هذه الجملة قد تقرر في علم المسلمين من قبل نزول هذه الآية بما تقدم في سورة ‏[‏البقرة‏:‏ 24‏]‏ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين‏}‏ وبما تقدمهما معاً من قوله‏:‏ ‏{‏إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم‏}‏ في سورة ‏[‏الأنبياء‏:‏ 98‏]‏‏.‏

والحجارة‏}‏‏:‏ جمع الحجر على غير قياس فإن قياسه أحجار فجمعوه على حِجارٍ بوزن فِعال وألحقوا به هاء التأنيث كما قالوا‏:‏ بِكارة جمع بَكر، ومِهارة جمع مُهْر‏.‏

وزيد في تهويل النار بأنَّ عليها ملائكة غلاظاً شداداً وجملة ‏{‏عليها ملائكة‏}‏ إلى آخرها صفة ثانية‏.‏

ومعنى ‏{‏عليها‏}‏ أنهم موكلون بها‏.‏ فالاستعلاء المفاد من حرف ‏(‏على‏)‏ مستعار للتمكن كما تقدم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك على هدى من ربهم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 5‏]‏‏.‏ وفي الحديث ‏"‏ فلم يكن على بابه بوّابون ‏"‏

و ‏{‏غلاظ‏}‏ جمع غليظ وهو المتصف بالغلظة‏.‏ وهي صفة مشبهة وفعلها مِثل كَرُم‏.‏ وهي هنا مستعارة لقساوة المعاملة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 159‏]‏ أي لو كنت قاسياً لما عاشروك‏.‏

و«شداد»‏:‏ جمع شديد‏.‏ والشدة بكسر الشين حقيقتها قوة العمل المؤذي والموصوف بها شديد‏.‏ والمعنى‏:‏ أنهم أقوياء في معاملة أهل النار الذين وكلوا بهم‏:‏ يقال‏:‏ اشتدّ فلان على فلان، أي أساء معاملته، ويقال‏:‏ اشتدّت الحرب، واشتدت البأساء‏.‏ والشدة من أسماء البؤس والجوع والقحط‏.‏

وجملة ‏{‏لا يعصون الله ما أمرهم‏}‏ ثناء عليهم أعقب به وصفهم بأنهم غلاظ شداد تعديلاً لما تقتضيانه من كراهية نفوس الناس إياهم، وهذا مؤذن بأنهم مأمورون بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏{‏ويفعلون ما يؤمرون‏}‏ فهو تصريح بمفهوم ‏{‏لا يعصون الله ما أمرهم‏}‏ دعا إليه مقام الإِطناب في الثناء عليهم، مع ما في هذا التصريح من استحضار الصورة البديعة في امتثالهم لما يؤمرون به‏.‏ وقد عُطف هذا التأكيد عطفاً يقتضي المغايرة تنويهاً بهذه الفضيلة لأن فعل المأمور أوضح في الطاعة من عدم العصيان واعتبار لمغايرة المعنيين وإن كان قالهما واحد ولك أن تجعل مرجع ‏{‏لا يعصون الله ما أمرهم‏}‏ أنهم لا يعصون فيما يكلفون به من أعمالهم الخاصة بهم، ومرجع ‏{‏ويفعلون ما يؤمرون‏}‏ إلى ما كلفوا بعمله في العصاة في جهنم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

هو من قول الملائكة الذين على النار‏.‏ وذكر هذه المقالة هنا استطرَاد يُفيد التنفير من جهنم بأنها دار أهل الكفر كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 24‏]‏، وإلاّ فإن سياق الآية تحذير للمؤمنين من الموبقات في النار‏.‏

ومعنى ‏{‏ما كنتم تعملون‏}‏ مماثل ‏{‏ما كنتم تعملون‏}‏، وأفادت ‏{‏إنما‏}‏ قصرَ الجزاء على مماثلة العمل المجزى عليه قصرَ قلب لتنزيلهم منزلة من اعتذر وطلب أن يكون جزاؤه أهون مما شاهده‏.‏

والاعتذار‏:‏ افتعال مشتق من العُذر‏.‏ ومادة الافتعال فيه دالة على تكلف الفعل مثل الاكتساب والاختلاق، والعذر‏:‏ الحجة التي تُبرئ صاحبها من تِبعة عمل مّا‏.‏ وليس لمادة الاعتذار فعل مجرد دال على إيجاد العذر وإنما الموجود عَذَر بمعنى قِبل العُذر، وقد تقدم عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجاء المعذرون من الأعراب‏}‏ في سورة ‏[‏براءة‏:‏ 90‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سيئاتكم وَيُدْخِلَكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار‏}‏‏.‏

أعيد خطاب المؤمنين وأعيد نداؤهم وهو نداء ثالث في هذه السورة‏.‏ والذي قبله نداء للواعظين‏.‏ وهذا نداء للموعوظين وهذا الأسلوب من أساليب الإِعراض المهتم بها‏.‏

أُمر المؤمنون بالتوبة من الذنوب إذا تلبسوا بها لأن ذلك من إصلاح أنفسهم بعد أن أمروا بأن يجنِّبوا أنفسهم وأهليهم ما يَزِجّ بهم في عذاب النار، لأن اتقاء النار يتحقق باجتناب ما يرمي بهم فيها، وقد يذهلون عما فرط من سيئاتهم فهُدُوا إلى سبيل التوبة التي يمحون بها ما فرط من سيئاتهم‏.‏

وهذا ناظر إلى ما ذكر من موعظة امرأتي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏{‏إن تتوبا إلى الله‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 4‏]‏‏.‏

والتوبة‏:‏ العزم على عدم العود إلى العصيان مع الندم على ما فرط منه فيما مضى‏.‏ وتقدمت عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه‏}‏ في سورة ‏[‏البقرة‏:‏ 37‏]‏‏.‏ وفي مواضع أخرى وخاصة عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة‏}‏ في سورة ‏[‏النساء‏:‏ 17‏]‏‏.‏ وتعديتها بحرف ‏(‏إلى‏)‏ لأنها في معنى الرجوع لأن ‏(‏تاب‏)‏ أخو ‏(‏ثاب‏)‏‏.‏

والنصوح‏:‏ ذُو النصح‏.‏

والنصح‏:‏ الإِخلاص في العمل والقول، أي الصدق في إرادة النفع بذلك‏.‏ ووصف التوبة بالنصوح مجاز جعلت التوبة التي لا تردد فيها ولا تخالطها نية العودة إلى العمل المتوب منه بمنزلة الناصح لغيره ففي ‏(‏نصوح‏)‏ استعارة وليس من المجاز العقلي إذ ليس المراد نصوحاً صاحبها‏.‏

وإنما لم تلحق وصف ‏(‏نصوح‏)‏ هاء التأنيث المناسبة لتأنيث الموصوف به لأن فعولاً بمعنى فاعل يلازم الإِفراد والتذكير‏.‏

وقرأ الجمهور نصوحاً‏}‏ بفتح النون على معنى الوصف كما علمت‏.‏ وقرأه أبو بكر عن عاصم بضم النون على أنه مصدر ‏(‏نصح‏)‏ مثل‏:‏ القُعود من قعد‏.‏ وزعم الأخفش أن الضم غير معروف والقراءة حجة عليه‏.‏

ومن شروط التوبة تدارك ما يمكن تداركه مما وقع التفريط فيه مثل المظالم للقادر على ردّها‏.‏ روي عن علي رضي الله عنه‏:‏ يجمع التوبة ستة أشياء‏:‏ الندامة على الماضي من الذنوب، وإعادة الفرائض‏.‏ ورد المظالم، واستحلال الخصوم، وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية، وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي‏.‏

وتقوم مقام ردّ المظالم استحلال المظلوم حتى يعفو عنه‏.‏

ومن تمام التوبة تمكين التائب من نفسه أن ينفذ عليها الحدود كالقود والضرب‏.‏ قال إمام الحرمين‏:‏ هذا التمكين واجب خارج عن حقيقة التوبة لأن التائب إذا ندم ونوى أن لا يعود صحت توبته عند الله وكان منَعه من تمكين نفسه معصية متجددة تستدعي توبة‏.‏

وهو كلام وجيه إذ التمكين من تنفيذ ذلك يشق على النفوس مشقة عظيمة فلها عذر في الإِحجام عن التمكين منه‏.‏

وتصح التوبة من ذنب دون ذنب خلافاً لأبي هاشم الجبائي المعتزلي، وذلك فيما عدا التوبة من الكفر‏.‏

وأما التوبة من الكفر بالإِيمان فصحيحة في غفران إثم الكفر ولو بقي متلبساً ببعض الكبائر بإجماع علماء الإِسلام‏.‏

والذنوب التي تجب منها التوبة هي الكبائر ابتداء، وكذلك الصغائر وتمييز الكبائر من الصغائر مسألة أخرى محلها أصول الدين وأصول الفقه والفقهُ‏.‏

إلا أن الله تفضّل على المسلمين فغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر، أخذ ذلك من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يجتنبون كبائر الإِثم والفواحش إلا اللمم وقد مضى القول فيه‏}‏ في تفسير سورة ‏[‏النجم‏:‏ 32‏]‏‏.‏

ولو عاد التائب إلى بعض الذنوب أو جميعها ما عدا الكفر اختلف فيه علماء الأمة فالذي ذهب إليه أهل السنة أن التوبة تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب في خصوص الذنب المعود إليه ولا تنتقض فيما سواه‏.‏ وأن العود معصية تجب التوبة منها‏.‏ وقال المعتزلة‏:‏ تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب فتعود إليه ذنوبه ووافقهم الباقلاني‏.‏

وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يشهد لأحد الفريقين‏.‏

والرجاء المستفاد من فعل عسى‏}‏ مستعمل في الوعد الصادر عن المتفضل على طريقة الاستعارة وذلك التائب لا حق له في أن يعفى عنه ما اقترفه لأن العصيان قد حصل وإنما التوبة عزم على عدم العودة إلى الذنب ولكن ما لصاحبها من الندم والخوف الذي بعث على العزم دل على زكاء النفس فجعل الله جزاءه أن يمحو عنه ما سلف من الذنوب تفضلاً من الله فذلك معنى الرجاء المستفاد من ‏{‏عسى‏}‏‏.‏

وقد أجمع علماء الإِسلام على أن التوبة من الكفر بالإِيمان مقبولة قطعاً لكثرة أدلة الكتاب والسنة، واختلفوا في تعيُّن قبول توبة العاصي من المؤمنين، فقال جمهور أهل السنة‏:‏ قبولها مرجوّ غير مقطوع، وممن قال به الباقلاني وإمام الحرمين وعن الأشعري أنه مقطوع به سمعاً، والمعتزلة مقطوع به عقلاً‏.‏

وتكفير السيئات‏:‏ غفرانها، وهو مبالغة في كَفَر المخفف المتعدي الذي هو مشتق من الكَفر بفتح الكاف، أي الستر‏.‏

‏{‏الانهار يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبى والذين ءَامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغفر لَنَآ إِنَّكَ على كُلِّ شَئ‏}‏‏.‏

‏{‏يوم‏}‏ ظرف متعلق ب ‏{‏يدخلكم جنات‏}‏ وهو تعليقُ تخلص إلى الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه‏.‏ وهو يوم القيامة وهذا الثناء عليهم بانتفاء خزي الله عنهم تعريض بأن الذين لم يؤمنوا معه يخزيهم الله يوم القيامة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم مع الذين آمنوا لتشريف المؤمنين ولا علاقة له بالتعريض‏.‏

والخزي‏:‏ هو عذاب النار، وحكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام قوله‏:‏ ‏{‏ولا تخزني يوم يبعثون‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 87‏]‏ على أن انتفاء الخزي يومئذٍ يستلزم الكرامة إذ لا واسطة بينهما كما أشعر به قوله تعالى‏:‏

‏{‏فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 185‏]‏‏.‏

وفي صلة ‏{‏الذين آمنوا معه‏}‏ إيذان بأن سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم‏.‏

ومعية المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم صحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم

و ‏(‏مع‏)‏ يجوز تعلقها بمحذوف حال من ‏{‏الذين آمنوا‏}‏ أي حال كونهم مع الشيء في انتفاء خزي الله عنهم فيكون عموم ‏{‏الذين آمنوا‏}‏ مخصوصاً بغير الذين يتحقق فيهم خزي الكفر وهم الذين ارتدوا وماتوا على الكفر‏.‏

وفي هذه الآية دليل على المغفرة لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

ويجوز تعلق ‏(‏مع‏)‏ بفعل ‏{‏آمنوا‏}‏ أي الذين آمنوا به وصحبوه، فيكون مراداً به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به ولم يرتدوا بعده، فتكون الآية مؤذنة بفضيلة للصحابة‏.‏

وضمير ‏{‏نورهم‏}‏ عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه‏.‏

وإضافة نور إلى ضمير هم مع أنه لم يسبق إخبار عنهم بنور لهم ليست إضافة تعريف إذ ليس المقصود تعريف النور وتعيينه ولكن الإِضافة مستعملة هنا في لازم معناها وهو اختصاص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يميزه الناس من بين الأنوار يومئذٍ‏.‏

وسعي النور‏:‏ امتداده وانتشاره‏.‏ شبه ذلك باشتداد مشي الماشي وذلك أنه يحفّ بهم حيثما انتقلوا تنويهاً بشأنهم كما تنشر الأعلام بين يدي الأمير والقائد وكما تساق الجياد بين يدي الخليفة‏.‏

وإنما خص بالذكر من الجهات الأمامُ واليمين لأن النور إذا كان بين أيديهم تمتعوا بمشاهدته وشعروا بأنه كرامة لهم ولأن الأيدي هي التي تمسك بها الأمور النفيسة وبها بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإِيمان والنصر‏.‏ وهذا النور نور حقيقي يجعله الله للمؤمنين يوم القيامة‏.‏ والباء للملابسة، ويجوز أن تكون بمعنى ‏(‏عن‏)‏‏.‏

وقد تقدم نظير هذا في سورة الحديد وما ذكرناه هنا أوسع‏.‏

وجملة ‏{‏يقولون ربنا أتمم لنا نورنا‏}‏ إلى آخرها حال من ضمير ‏{‏نورهم‏}‏، وظاهره أن تكون حالاً مقارنة، أي يقولون ذلك في ذلك اليوم، ودعاؤهم طلب للزيادة من ذلك النور، فيكون ضمير ‏{‏يقولون‏}‏ عائد إلى جميع الذين آمنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، أو يقول ذلك من كان نوره أقل من نور غيره ممن هو أفضل منه يومئذٍ فيكون ضمير ‏{‏يقولون‏}‏ على إرادة التوزيع على طوائف الذين آمنوا في ذلك اليوم‏.‏

وإتمام النور إدامته أو الزيادة منه على الوجهين المذكورين آنفاً وكذلك الدعاء بطلب المغفرة لهم هو لطلب دوام المغفرة، وذلك كله أدب مع الله وتواضع له مثل ما قيل في استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم سبعين مرة‏.‏

ويظهر بذلك وجه التذييل بقولهم‏:‏ ‏{‏إنك على كل شيء قدير‏}‏ المشعر بتعليل الدعاء كناية عن رجاء إجابته لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏9‏)‏‏}‏

لما أبلغ الكفار ما سيحل بهم في الآخرة تصريحاً بقوله‏:‏ ‏{‏يأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 7‏]‏، وتعريضاً بقوله‏:‏ ‏{‏يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 8‏]‏، أمَرَ رسولَه صلى الله عليه وسلم بمسمع منهم بأن يجاهدهم ويجاهد المستترين لكفرهم بظاهر الإِيمان نفاقاً، حتى إذا لم تؤثر فيهم الموعظة بعقاب الآخرة يخشون أن يسلط عليهم عذاب السيف في العاجلة فيقلعوا عن الكفر فيصلح نفوسهم وإنما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك لأن الكفار تألبُوا مع المنافقين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذوهم عيوناً لهم وأيدي يدسُّون بها الأذى للنبيء صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين‏.‏

فهذا نداء ثان للنبيء صلى الله عليه وسلم يأمره بإقامة صلاح عموم الأمة بتطهيرها من الخبثاء بعد أن أمره بإفاقة من عليهما الغفلة عن شيء من واجب حسن المعاشرة مع الزوج‏.‏

وجهاد الكفار ظاهر، وأما عطف ‏{‏المنافقين‏}‏ على ‏{‏الكفار‏}‏ المفعول ل ‏{‏جاهد‏}‏ فيقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بجهاد المنافقين وكان حال المنافقين ملتبساً إذ لم يكن أحد من المنافقين معلناً بالكفر ولا شُهد على أحد منهم بذلك ولم يعين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم منافقاً يوقن بنفاقه وكفره أو أطلعه إطلاعاً خاصاً ولم يأمره بإعلانه بين المسلمين كما يؤخذ ذلك من أخبار كثيرة في الآثار‏.‏

فتعين تأويل عطف ‏{‏المنافقين‏}‏ على ‏{‏الكفار‏}‏ إما بأن يكون فعل ‏{‏جاهد‏}‏ مستعملاً في حقيقته ومجازه وهما الجهاد بالسيف والجهاد بإقامة الحجة والتعريض للمنافق بنفاقه فإن ذلك يطلق عليه الجهاد مجازاً كما في قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ‏"‏، وقوله للذي سأله الجهاد فقال له‏:‏ «ألك أبوان‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ ففيهما فجاهد»‏.‏

وعندي أن الأقرب في تأويل هذا العطف أن يكون المراد منه إلقاء الرعب في قلوب المنافقين ليشعروا بأن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالمرصاد بهم فلو بدت من أحدهم بادرة يعلم منها نفاقه عومل معاملة الكافر في الجهاد بالقتل والأسر فيحذروا ويكفوا عن الكيد للمسلمين خشية الافتضاح فتكون هذه الآية من قبيل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 60، 61‏]‏‏.‏

والغلظة‏:‏ حقيقتها صلابة الشيء وهي مستعارة هنا للمعاملة بالشدة بدون عفو ولا تسامح، أي كن غليظاً، أي شديداً في إقامة ما أمر الله به أمثالهم‏.‏ وتقدم عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليجدوا فيكم غلظة‏}‏ في سورة ‏[‏براءة‏:‏ 123‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ولو كنت فظاً غليظ القلب‏}‏ في سورة ‏[‏آل عمران‏:‏ 159‏]‏‏.‏

والمأوى‏:‏ المسكن، وهو مفعل من أوى إذا رجع لأن الإِنسان يرجع إلى مسكنه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

أعقبت جملة ‏{‏يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 9‏]‏ الآية المقصود منها تهديدهم بعذاب السيف في الدنيا وإنذارهم بعذاب الآخرة وما قارن ذلك من مقابلة حالهم بحال المؤمنين، بأن ضرَب مثلين للفريقين بنظيرين في حاليهما لتزداد الموعظة وضوحاً ويزداد التنويه بالمؤمنين استنارة‏.‏ وقد تقدمت فائدة ذكر الأمثال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً‏}‏ في سورة ‏[‏البقرة‏:‏ 17‏]‏‏.‏

وضربُ المثل‏:‏ إلقاؤه وإيضاحه، وتقدم ذلك عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما‏}‏ في سورة ‏[‏البقرة‏:‏ 26‏]‏‏.‏

فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً‏.‏ وهذا المثل لا يخلو من تعريض بحث زوْجي النبي على طاعته وبأنَّ رضى الله تعالى يتبع رضى رسله‏.‏ فقد كان الحديث عن زوجتي النبي قريباً وكان عَملهما ما فيه بارقة من مخالفة، وكان في المثلين ما فيه إشعار بالحالين‏.‏

وتعدية ضرب باللام الدال على العلة تفيد أن إلقاء المثل لأجل مدخول اللام‏.‏ فمعنى ضرب الله مثلاً للذين كروا‏}‏ أنه ألقى هذا التنظير لأجلهم، أي اعتبارهم بهم وقياسسِ حالهم على حال الممثل به، فإذا قيل‏:‏ ضرب لفلان مثلاً، كان المعنى‏:‏ أنه قصده به وأعلمه إياه، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما ضربوه لك إلا جدلاً‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 58‏]‏‏.‏ ‏{‏ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 58‏]‏‏.‏ ونحو ذلك وتقديم المجرور باللام على المفعول للاهتمام بإيقاظ الذين كفروا‏.‏

فمعنى ‏{‏ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط‏}‏، أن الله جعل حالة هاتين المرأتين عظة وتنبيهاً للذين كفروا، أي ليُذكرهم بأن الله لا يصرفه عن وعيده صَارِف فلا يحسبوا أن لهم شفعاء عند الله، ولا أن مكانهم من جوار بيتِه وعمارة مسجده وسقاية حجيجه تصرف غضب الله عنهم، فإن هم أقلعوا عن هذا الحسبان أقبلوا على التدبر في النجاة من وعيده بالنظر في دلائل دعوة القرآن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فلو كان صارف يصرف الله عن غضبه لكان أولى الأشياء بذلك مكانة هاتين المرأتين من زوجيهما رسولي رب العالمين‏.‏

ومناسبة ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط دون غيرهما من قرابة الأنبياء نحو أبي إبراهيم وابن نوح عليهما السلام لأن ذكر هاتين المرأتين لم يتقدم‏.‏ وقد تقدم ذكر أبي إبراهيم وابن نوح، لتكون في ذكرهما فائدة مستجدة، وليكون في ذكرهما عقب ما سبق من تمالُؤِ أُمي المؤمنين على زوجهما صلى الله عليه وسلم تعريض لطيف بالتحذير من خاطر الاعتزاز بغناء الصلة الشريفة عنهما في الوفاء بحق ما يجب من الإِخلاص للنبيء صلى الله عليه وسلم ليكون الشَّبه في التمثيل أقوى‏.‏ فعن مقاتل «يقول الله سبحانه لعائشة وحفصة‏:‏ لا تكونا بمنزلة امرأة نوح وامرأة لوط في المعصية وكونا بمنزلة امرأة فرعون ومريم»‏.‏

ووضحه في «الكشاف» بأنه من قبيل التعريض‏.‏ ومنعه الفخر، وقال ابن عطية‏:‏ «قال بعض الناس في المثلين عبرة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم حين تقدم عتابهن‏.‏ وفي هذا بُعد لأن النص أنه للكفار يبعد هذا» اه‏.‏

ويدفع استبعاده أن دلالة التعريض لا تنافي اللفظ الصريح، ومن لطائف التقييد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏للذين كفروا‏}‏ أن المقصد الأصلي هو ضرب المثل للذين كفروا وذلك من الاحتراس من أن تحمل التمثيل على المشابهة من جميع الوجوه والاحتراس بكثرة التشبيهات ومنه تجريد الاستعارة‏.‏

وقصة امرأة نوح لم تذكر في القرآن في غير هذه الآية والذي يظهر أنها خانت زوجها بعد الطوفان وأن نوحاً لم يعلم بخونها لأن الله سمى عملها خيانة‏.‏

وقد ورد في سفر التكوين من التوراة ذكر امرأة نوح مع الذين ركبوا السفينة وذِكر خروجها من السفينة بعد الطوفان ثم طوي ذكرها لما ذكر الله بركته نوحاً وبنيه وميثاقه معهم فلم تذكر معهم زوجه‏.‏ فلعلها كفرت بعد ذلك أو لعل نوحاً تزوج امرأة أخرى بعد الطوفان لم تذكر في التوراة‏.‏

ووصف الله فعل امرأة نوح بخيانة زوجها، فقال المفسرون‏:‏ هي خيانة في الدين، أي كانت كافرة مسرة الكفر، فلعل الكفر حدث مرة أخرى في قوم نوح بعد الطوفان ولم يذكر في القرآن‏.‏

وأما حديث امرأة لوط فقد ذكر في القرآن مرات‏.‏ وتقدم في سورة الأعراف ويقال‏:‏ فلانةُ كانت تحت فلان، أي كانت زوجاً له‏.‏

والتحتية هنا مجاز في معنى الصيانة والعصمة ومنه قول أنس بن مالك في الحديث المروي في «الموطأ» وفي «صحيح البخاري» عن أم حرام بنت ملحان‏:‏ «وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت»‏.‏

ومن بدائع الأجوبة أن أحد الأمراء من الشيعة سأل أحد علماء السنة‏:‏ من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه‏:‏ «الذي كانت ابنتُه تحتَه» فظن أنه فضل علياً إذْ فهم أن الضمير المضاف إليه «ابنَة» ضميرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الضمير المضاف إليه ‏(‏تحت‏)‏ ضمير اسم الموصول، وإنما أراد السنيّ العكس بأن يكون ضمير «ابنته» ضمير الموصول «تحته» ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك هو أبو بكر‏.‏

وقد ظهر أن المراد بالعبدين نوح ولوط وإنما خصّا بوصف «عبدين صالحين» مع أن وصف النبوة أخص من وصف الصلاح تنويهاً بوصف الصلاح وإيماء إلى أن النبوة صلاح ليعظم بذلك شأن الصالحين كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 112‏]‏‏.‏ ولتكون الموعظة سارية إلى نساء المسلمين في معاملتهن أزواجهن فإن وصف النبوءة قد انتهى بالنسبة للأمة الإِسلامية، مع ما في ذلك من تهويل الأذى لعباد الله الصالحين وعناية ربهم بهم ومدافعته عنهم‏.‏

والخيانة والخون ضد الأمانة وضد الوفاء، وذلك تفريط المرء ما اؤتمن عليه وما عهد به إليه‏.‏ وقد جمعها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 27‏]‏‏.‏

وانتصب ‏{‏شيئاً‏}‏ على المفعولية المطلقة ل ‏{‏يغنيا‏}‏ لأن المعنى شيئاً من الغنى، وتنكير ‏{‏شيئاً‏}‏ للتحقير، أي أقل غنى وأجحفه بَلْهَ الغنى المهم، وتقدم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً‏}‏ في سورة ‏[‏الجاثية‏:‏ 19‏]‏‏.‏

وزيادة مع الداخلين‏}‏ لإِفادة مساواتهما في العذاب لغيرهما من الكفرة الخونة‏.‏ وذلك تأييس لهما من أن ينتفعا بشيء من حظوة زوجيهما كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 22‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

لما ضرب المثل ‏{‏للذين كفروا‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 10‏]‏ أعقب بضرب مثل للذين آمنوا لتحصل المقابلة فيتضح مقصود المثَلَين معاً، وجريا على عادة القرآن في إتباع الترهيب بالترغيب‏.‏

وجعل المثل للذين آمنوا بحال امرأتين لتحصل المقابلة للمثَلَين السابقين، فهذا من مراعاة النظير في المثلين‏.‏

وجاء أحد المثلين للذين آمنوا مثلاً لإِخلاص الإِيمان‏.‏ والمثل الثاني لشدة التقوى‏.‏

فكانت امرأة فرعون مثلاً لمتانة إيمان المؤمنين ومريم مثلاً للقانتين لأن المؤمنين تبرأوا من ذوي قرابتهم الذين بقوا على الكفر بمكة‏.‏

وامرأة فرعون هذه هي امرأة فرعون الذي أُرسل إليه موسى وهو منفط الثالث وليست امرأة فرعون التي تبنتْ موسى حين التقطتْه من اليَمّ، لأن ذلك وقع في زمن فرعون رعمسيس الثاني وكان بين الزمنين ثمانون سنة‏.‏ ولم يكن عندهم علم بدين قبل أن يرسل إليهم موسى‏.‏

ولعل امرأة فرعون هذه كانت من بنات إسرائيل تزوجها فرعون فكانت مؤمنة برسالة موسى عليه السلام‏.‏ وقد حكى بعض المفسرين أنها عمة موسى، أو تكون هداها الله إلى الإِيمان بموسى كما هدى الرجل المؤمن من آل فرعون الذي تقدم ذكره في سورة غافر‏.‏ وسماها النبي صلى الله عليه وسلم آسية في قوله‏:‏ «كَمُل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريمُ ابنة عمران وآسيةُ امرأة فرعون» رواه البخاري‏.‏

وأرادت بعمل فرعون ظلمه، أي نجّني من تبعة أعماله فيكون معنى ‏{‏نجّني من فرعون‏}‏ من صحبته طلبت لنفسها فرجاً وهو من عطف الخاص على العام‏.‏

ومعنى ‏{‏قالت‏}‏ أنها أعلنت به، فقد روي أن فرعون اطّلع عليها وأعلن ذلك لقومه وأمر بتعذيبها فماتت في تعذيبه ولم تحس ألماً‏.‏

والقوم الظالمون‏:‏ هم قوم فرعون‏.‏ وظلمهم‏:‏ إشراكهم بالله‏.‏

والظاهر أن قولها‏:‏ ‏{‏ابن لي عندك بيتاً في الجنة‏}‏ مؤذن بأن فرعون وقومه صدّوها عن الإِيمان به وزيّنوا لها أنا إن آمنت بموسى تضيع ملكاً عظيماً وقصراً فخيماً أو أن فرعون وعظها بأنها إن أصرّت على ذلك تقتل، فلا يكون مدفنها الهرم الذي بناه فرعون لنفسه لدفنه في بادئ الملوك‏.‏ ويؤيد هذا ما رواه المفسرون أن بيتها في الجنة من درّة واحدة فتكون مشابهة الهرم الذي كان معدّاً لحفظ جثتها بعد موتها وزوجها‏.‏ فقولها ذلك كقول السحرة الذين آمنوا جواباً عن تهديد فرعون ‏{‏لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض‏}‏ الآية في سورة ‏[‏طه‏:‏ 72‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

عطف على ‏{‏امرأت فرعون‏}‏، أي وضرب الله مثلاً للذين آمنوا مريم ابنة عمران، فضرَب مثلَيْن في الشرّ ومثلين في الخير‏.‏

ومريم ابنة عمران تقدم الكلام على نسبها وكرامتها في سورة آل عمران وغيرها، وقد ذكر الله باسمها في عدة مواضع من القرآن، وقال ابن التلمساني في «شرح الشفاء» لعياض‏:‏ لم يَذكُر الله امرأة في القرآن باسمها إلا مريم للتنبيه على أنها أمةُ الله إبطالاً لعقائد النصارى‏.‏

والإِحصان‏:‏ جعل الشيء حصيناً، أي لا يُسلك إليه‏.‏ ومعناه‏:‏ منعت فرجها عن الرجال‏.‏

وتفريع ‏{‏فنفخنا فيه من روحنا‏}‏ تفريع العطية على العمل لأجله‏.‏ أي جزيناها على إحصان فرجها، أي بأن كوّن الله فيه نبيئاً بصفة خارقة للعادة فخلد بذلك ذكرها في الصالحات‏.‏

والنفخ‏:‏ مستعار لسرعة إبداع الحياة في المكوّن في رحمها‏.‏ وإضافة الروح إلى ضمير الجلالة لأن تكوين المخلوق الحيّ في رحمها كان دون الأسباب المعتادة، أو أُريد بالروح الملك الذي يؤمر بنفخ الأرواح في الأجنة، فعلى الأول تكون ‏{‏من‏}‏ تبعيضية، وعلى الثاني تكون ابتدائية، وتقدم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فنفخنا فيها من روحنا‏}‏ في سورة ‏[‏الأنبياء‏:‏ 91‏]‏‏.‏

وتصديقها‏:‏ يقينها بأن ما أبلغ إليها الملَكُ من إرادة الله حملها‏.‏

وكلمات ربها‏}‏‏:‏ هي الكلمات التي ألقاها إليها بطريق الوحي‏.‏

و ‏{‏وكتابه‏}‏ يجوز أن يكون المراد به «الإِنجيل» الذي جاء به ابنها عيسى وهو إن لم يكن مكتوباً في زمن عيسى فقد كتبه الحواريون في حياة مريم‏.‏

ويجوز أن يراد ب ‏{‏كتابه‏}‏، أراده الله وقدّره أن تحمل من دون مس رجل إياها من باب وكان كتاباً مفعولاً‏.‏

والقانت‏:‏ المتمحض للطاعة‏.‏ يجوز أن يكون و‏{‏من‏}‏ للابتداء‏.‏

والمراد بالقانتين‏:‏ المكثرون من العبادة‏.‏ والمعنى أنها كانت سليلة قوم صالحين، أي فجاءت على طريقة أصولها في الخير والعفاف‏:‏

وهل ينبت الخَطِّيُّ إلا وشيجَهُ ***

وهذا إيماء إلى تبرئتها مما رماها به القوم البهت‏.‏

وهذا نظير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 26‏]‏‏.‏

ويجوز أن تجعل ‏{‏من‏}‏ للتعبيض، أي هي بعض من قنت لله‏.‏ وغلبت صيغة جمع الذكور ولم يقل‏:‏ من القانتات، جرياً على طريقة التغليب وهو من تخريج الكلام على مقتضى الظاهر‏.‏ وهذه الآية مثال في علم المعاني‏.‏

ونكتته هنا الإِشارة إلى أنها في عداد أهل الإِكثار من العبادة وأن شأن ذلك أن يكون للرجال لأن نساء بني إسرائيل كن معفيات من عبادات كثيرة‏.‏

ووصفت مريم بالموصول وصلته لأنها عُرفت بتلك الصلة من قصتها المعروفة من تكرر ذكرها فيما نزل من القرآن قبل هذه السورة‏.‏

وفي ذكر ‏{‏القانتين‏}‏ إيماء إلى ما أوصى الله به أمهات المؤمنين بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 31‏]‏ الآية‏.‏

وقرأ الجمهور ‏{‏وكتابه‏}‏‏.‏ وقرأه حفص وأبو عمرو ويعقوب ‏{‏وكُتُبه‏}‏ بصيغة الجمع، أي آمنت بالكتب التي أنزلت قبل عيسى وهي «التوراة» و«الزبور» وكتب الأنبياء من بني إسرائيل، و«الإِنجيل» إن كان قد كتبه الحواريون في حياتها‏.‏